"ربح فريق البنات وخسر فريق الصّبيان" بهذه العبارة صرخ إبني بمرارة والدّموع تملأ عينَيه الجميلتين. لقد عاد من المدرسة متجهّم الوجه ولا يريد أن يكلّم أحداً.
رفضَ تفسير سبب غضبه الشّديد إلّا بعد أن نتناول طعام الغداء، أو ربّما بعد أن يُنهي واجباته المدرسيّة، ثمّ سيدخل إلى غرفته ولا يريد أن يرى أحداً أو يكلّم أحداً. طبعاً أنا وزوجي رفضنا هذا التّأجيل (بيننا وبين أنفسنا طبعاً) وبدأنا تارةً بطريقة المُزاح وأُخرى عن طريق التّحزير نسأله عن سبب حزنه وغضبه، أو بالأحرى نستجوبه ونستدرجه بهذه الطريقة أو بتلك. إلى أن ابتسم قليلاً وبامتعاض حين اقتربنا من معرفة السّبب، ثمّ صرخ قائلاً: خسرنا في مسابقة الشِّعر وربحوا البنات. وانهمرت الدّموع من عينيه، ثم شرحَ أنّ المعلّمة لأنها أنثى جعلت فريق البنات يربح وخسرنا نحن. لم أرى يوماً دموع إبني تنهمر بغزارة مثل ذلك اليوم.
بدأنا زوجي وأنا نهدّىء من روعه ونطيّب خاطره ونجعل الأمر أسهل عليه، وهو يرفض بشدّة ويهدّد ويتوعّد. ثمّ بعد الغداء وبعد أن هدأ قليلاً ولعب لفترة قصيرة جلسنا نتكلّم بهدوء، ونشرح له أنّ الحياة صعبة وفيها المرّ والحلو وكيف يجب أن نتصرّف بحكمة. وضربَ زوجي مثلاً عن ذلك من الكتاب المقدّس ومن سفر الأمثال بالتّحديد، عن المرأتَين المتخاصمتَين على طفل واحد، لمَن من الاثنتين يجب أن يكون. وكيف وجدَ سليمان الحكيم الحلّ بالحكمة التي أخذها من الله. ثم أضَفنا أنّ الحياة فيها الرّبح وفيها الخسارة ويجب أن نتقبّل الخسارة بهدوء وأعصاب قويّة كما نتقبّل الرّبح بفرح وبروح الانتصار. عند هذه النّقطة توقّفتُ بتفكيري وقلتُ لنفسي: نعم في هذه الحياة نُخفِق كثيراً وننجح أيضاً كثيراً، نفشل وننتصر نربح ونخسر، لكنّي أشكر الله أنّي ربحت الحياة الأبديّة. ربحتها ولن أخسرها لأنّها مضمونة بدم يسوع المسيح المُقام والمُنتصر. استيقظتُ من شُرودي عند رؤية أسارير إبني تنفرج وابتسامته المرحة تغزو وجهه، الحمد لله اقتنع أخيراً بأن يسلّم للأمر الواقع ويعمل جادّاً للرّبح في المرّة القادمة.
عزيزي، إنّ الحياة الأبديّة ليست كالأرضيّة فيها الرّبح والخسارة، بل هي إمّا ربح أو خسارة. أي أنّها إمّا تكون من نصيبك فتربحها للأبد وتعيش في نعيمها، أو تخسرها وإلى الأبد أيضاً لتعيش في الجحيم. فأيّهما تختار؟
بإمكانك الاختيار الآن، لا تؤجّل، اليوم وقت مقبول واليوم يوم خلاص فهل تأتي معجِّلاً؟ أرجو ذلك.