يظلُّ عيد قيامة السيّد المسيح من دون أدنى شكّ من أعظم الأعياد في الدِّيانة المسيحيّة. ومع أنّ مظاهر احتفالات
مولد المسيح أو "الكريسماس" رُبّما تفوق احتفالات القيامة ـ في مظهرها ورونقها ـ في الشّرق والغرب على حدّ سواء، إلاّ أن الكتاب المُقدّس نفسه يُعلّمُنا أن صلب المسيح وقيامته هما جوهر المسيحيّة، وأن الميلاد نفسه حدث كمُعجزة تليها أعظم المُعجزات على الإطلاق ألا وهي موت المسيح بالصليب ثم قيامته، وهذا هو جوهر المسيحيّة. والآن لنستعرض معاً معاني مُهمّة ودروساً قيّمة يُمكن أن نتذكّرها ونتعلّمها في هذه المُناسبة المباركة.
• الذي جعل المسيح يموت ويقوم هو خطيّتك ورغبته في تحريرك
نعم، لقد مات المسيح وقام من بين الأموات فقط لفداء البشرية. ولم يكُن لدى نسل آدم وحوّاء وسيلة يُمكن بها أن يخلص من خطاياه إلاّّ بموت المسيح. ومع أنّ الكثير من العبادات تُبيّن أنّ التّوبة وغُفران الخطايا هُما السّبيل المفتوح للإنسان كي يخلص ويحصل على رضى الله، إلاّ أنّ المسيحيّة تُبيّن أيضاً بما لا يدع مجالاً للشّكّ أنّ التّوبة والغُفران لابدّ لهُما من أساس، وأنّ الله الكُلّي القداسة كان لا بدّ أن يطلب ثمناً لخطيّة الإنسان وفقاً للقانون السّماوي الذي هو وضعه أنّ "أُجرة الخطيّة هي موت". وأمّا الذّبائح التي كانت تُقدّم في القديم ما هي إلاّ مثالاً للطّريقة التي كان المسيح مُزمعاً أن يأتي بها لأرضنا كي يُقدّم نفسه طوعاً ذبيحة كفّاريّة عن خطايانا. ثمّ يُقيمه الله الآب بقوّة ذاته مع الرّوح القُدس، إقراراً منه على قبول ذبيحة ابنه الكفّاريّة.
• موت المسيح وقيامته بين البرهان والإنكار
الحقيقة أنّ الكثيرين ممّن يُشكّكون في صحّة تعاليم الكتاب المُقدّس أو يُنادون بتحريفه، أو بادّعاء أنّ المسيح لم يمُت ولم يقُم من الأموات، إنّما هُم بكُلّ أسف يُمكن تشبيههم كالحابسين أنفُسهم في غُرفة مُغلقة ـ أغلقوها هُم على أنفسهم أو لنقُل أنّهم سمحوا لآخرين أن يُغلقوها عليهم ويُنكرون وجود الشّمس نتيجة لعدم رؤيتهم لها ـ وبينما هُم يخافون أن يفتحوا النّوافذ ويسمحوا لنور الشّمس السّاطع أن ينفذ إليهم فيُزيل ظُلمة واقعهم، تذهب فرصة النّجاة من أمامهم ويفقدون قدرة الانفتاح وقبول الرّأي الآخر الذي يُجمع عليه الجميع. لا لسبب إجماع الكلّ، بل ببساطة لأنّه هو الحقُّ الذي أعلنه الله لنا. وهو كذلك أيضاً البرهان الثّابت أمام أيّ ادّعاء بالتّحريف أو التّزوير أو الاختلاق، ممّا لم يستطيعوا أبداً التّدليل عليه. إنّ من يرفض المسيح يرفضه إمّا لسبب الجهل به أو بسبب الكبرياء أو بسبب محبّة العالم. وأنا لا أتحدّث هنا عن غير المسيحيّين فقط، فما أكثر المسيحيّين الإسميّين وهم أبعد ما يكونوا عن المسيح!. ولقد قاد المُحامي الضليع "فرانك موريسون" حملة شعواء بغَرض أن يُبرهن أنّ موت المسيح وقيامته ما هي إلّا خُرافة، ولكنّ بحوثه الحثيثة قادته أخيراً إلى الإيمان بالمسيح المُقام فما كان منه إلّا أن ألّف كتاباً أسماه: "من دحرج الحجر؟" (أي حجر قبر المسيح الذي خرج منه حيّاً رغم كونه مختوماً بخاتم الإمبراطوريّة الرّومانيّة ومحرُوساً بفرقة من خيرة جنودها!).
• الذي أقام المسيح من الموت، يستطيع أن يُقيمك من موتك ومن سقطتك:
لذا، إن كُنتَ ما زلتَ تعيش في الخطيّة والبُعد عن الله. إن كُنتَ فاقد الأمل في إصلاحك وتقدُّمك نحو الحياة الأفضل، فإنّ لك خبراً مُبهجاً اليوم ألا وهو أنّ الرّب يريد أن يُقيمك من سقطتك ومن بُعدك، وأن يمنحك حياة جديدة وقوّةً وقُدرةً جديدتَين يكون بمقدورك بهم أن تُواصل حياتك بفرح وسلام مهما كانت التّحدّيات التي تُواجهك. والله لا يُريد فقط أن يُقيمك، لكنّه أيضاً يقدر. نعم هو يقدر، وإن كان هو يُريد ويقدر، فلا يتبقّى إلّا أن تقوم أنت بدورك وتُسرع إليه وهو من دون شكّ سيرفعُك وسيُباركُك. فهو لم ولن يرفضك أبداً إن أنت التجأت إليه.
• لا داعي لأن تكون عبداً لأن قيامته تُحرّرك:
يعيش الكثير من البشر مُستعبَدين لخطايا وعادات شرّيرة. والبعض يعيشون عبيداً لمخاوف وأخطار وهزائم وقلق وعذاب وتعاسة، ربّما لأجل أمور أذنبوا بها في ماضيهم ولم يقدروا أن يتخلّصوا من ذكرياتها الأليمة. أو رُبّما حاضر مُرّ يُعانون فيه، أو خوف من مُستقبل تُنذر بوادره بصعوبات فيه!. نعم، ما أكثر المخاوف والمُحبطات في الحياة، لكنّ الله لا يُريدك أن تكون مُستَعبداً لكلّ هذا، بل يُريدك أن تحيا في سلام مُطمئنّاً وثابتاً، مُتّكلاً على نعمته وخيره وصلاحه. وأنا أُشجّعك أن تنتهز فُرصة القيامة لتنفُض عنك كلّ هذه الأمور. قُل لله أشكُرك يارب لأنّك خلّصتني ورحمتني. أنا آتي بكلّ أحمالي إليك واثقاً في قُوّتك وقُدرتك وعونك. قُلها له وسلّم له أُمورك كُلّها وثق أنّه قادر وسيعتني بك.
• أنت معه تستطيع كلّ شيء:
من الدّروس الأُخرى العظيمة والقيّمة التي يُمكنُنا أن نتعلّمها من القيامة، أنّ الذي قدر على القيامة من الأموات، يقدر أيضاً على فعل أيّ أمر آخر سواه أيضاً. لقد عاش يسوع ومات وقام من دون أن يُخطىء ولا حتّى خطيّة واحدة، لا بالقول ولا بالفعل ولا بالفكر. ألا يُؤكّد أمرٌ كهذا أنّه كان أكثر كثيراً من مُجرّد إنسان أو نبيّ؟ إنّ موسى وأيّوب وداود وسائر الأنبياء سجّل لنا الوحي والتّاريخ أخطاء لهم إلّا هو. ومن المعروف أنّ الله فقط هو الكامل الذي لا يُخطىء وهذا برهان دامغ آخر يقينيّ يُبيّن أنّ المسيح هو الله نفسه. إنّ ما صنعه يسوع من مُعجزات لم يعمله آخر سواه بدايةً من شفاء المرضى وإخراج الشّياطين وقيامة الموتى تتويجاً بقيامته هو نفسه بقوّة ذاته من بين الأموات. ويسوع هذا يقدر أن يُعطيك القوّة لتنتصر دوماً. يقول الرّسول بولس في رسالته إلى أهل فيلبّي 4: 13
. وهذا هو عَين ما تقدر أنت نفسك أن تقوله وتختبره أيضاً بقُوّة يسوع المسيح وبقُوّة موته وقيامته، فهل تُراك تستفيد من هذه الميزة العُظمى التي منحها الله لك في المحبوب يسوع؟
• اختبر الموت كي تستطيع أن تختبر القيامة:
إنّ المعنى الحقيقي للقيامة، أن تتنزّه وتعلو وتترفّع عن الحياة الأرضيّة بكلّ مُتعها ولذّاتها وشهواتها إذ أنّك تشتاق وتنتمي لأبديّة سعيدة مع الله في السّماء. وهذا لن يتأتّى لك تحقيقه إلّا عندما تموت تماماً روحيّاً عن العالم وتحيا لله. وهذا هو التّطبيق الحقيقي لمعنى القيامة. قال الرّسول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية 2: 20
.
• تمتّع بقيامة المسيح كلّ يوم في حياتك، واستعدّ للأبديّة السعيدة:
نعم، إنّ قيامة المسيح هي عربون الميراث المُنتظَر والمُتوقَّع لكلّ مؤمن اختبر الحياة المُباركة معه. فالله يُريدك أن تتمتّع بالقيامة اليوم، وكلّ يوم، حتّى يأتي ليختطف شعبه ويدين الأحياء والأموات كما تُقرّ الكُتب السّماويّة جمعاء من دون شك.
إنّ من عرف يسوع واستمتع بالعشرة مع الله هنا على الأرض، من المُؤكّد أنّه سيُكمل المشوار معه في الأبديّة السعيدة. وأنت عزيزي القارىء يُمكن أن يكون لك نصيباً أيضاً في هذه الأبديّة المُباركة والسّعيدة، لأنّ الله دفع ثمنها للكُلّ،
فأرجوك ألّا تُفوّتها. الباب مفتوح والفُرصة سانحة للجميع. فهل تضمن أبديّتك؟!
إذا كان لديك عزيزي القارىء أيّة مشكلة تحبّ أن تشاركنا بها، وتحبّ أن نصلّي لأجلك .. اتّصل بنا