عندما أَوجَد الله العالم، يقول أحد
أنبياء العهد القديم وهو موسى (المُوَقَّر والمُقَدَّر من الجميع) في سفر التّكوين 1: 31 . وقال نبيّ آخَر وهو إشعياء في السِّفر الذي يحمل إسمه سفر إشعياء 45: 18 .
إذًا ماذا حدث وقد خلق الله الصّالح الجوَّاد المُنعِم، الكلَّ صالحاً وحسناً؟!
أولاً سقوط الشّيطان:
الشّيطان هو رئيس ملائكة شقَّ عصا الطّاعة على الله، وسقط معه عدد غير معلوم من الأرواح التي صارت شرّيرة، كما يسجّل ذلك أنبياء الله في سفر إشعياء الأصحاح 14 وسفر حزقيال الأصحاح 28. وقد ترتّب على هذا السّقوط الرّهيب نتائج روحيّة وأخلاقيّة وماديّة، أثَّرت تأثيراً مباشراً على الكَون كلّه بطريقة مركّبة ومتعاقِبة ومستمرّة، وبالطّبع على الأرض نفْسِها.
ثانياً سقوط الإنسان:
وهذا حدثٌ جَلَل رهيب سجّله الوحي بعدما دخل الشّيطان في الحيَّة، التي تُعبِّر عن طبيعته، وأغوى حواء وآدم فأرادا أن يعملا إرادتهما الذّاتية ويستقِلاّ عن الله، وهذا مُدوّن في (تكوين 3: 1 – 24 )، فحصَدا العجز والقصور الذّاتي والحزن والتّعاسة والمرض والألم والاحتياج والموت. وعندما سقط وفَسُد الجنس البشري، انفصل روحيّاً عن الله مصدر الحياة والسعادة والفرح والرّاحة، فحاول الإنسان باطلاً أن يبحث عن الارتواء لظمأه وهو بعيد عن النّبع، حاول وجرّب في كلِّ شيء، وهذا ما أثَّر سلباً على كلّ شيء حَسَن خلقه الله.
بحثَ الإنسان عن السّعادة في المال والممتلكات، في الجنس والشّهرة والمخدّرات واغترفَ من الملذَّات، فكان يزداد عطشاً كلّما أخذ من نبعٍ مُرّ ومالح لا يروي. بحث عن إرضاء الله عن طريق العبادات والطُّقوس والذّبائح، فانحرف في أحسن الأحوال، وطوَّحت به إرادته وأعماله بعيداً عن الله.
ورغبةً منه في تحقيق الذّات حاول الإنسان في الاختراعات الكثيرة، التي أحدثت تقدُّماً مذهلاً في تطبيقات العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة والطبيعيّة، وغيّرت أموراً كثيرة في الصّناعة والزّراعة والتّجارة والاتّصالات بثورات علميّة وصناعيّة وتكنولوچيّة هائلة، لا يمكن متابعتها أو معرفة نتائجها المباشرة وغير المباشرة بدقّة.
ثمّ جرّب في نواحٍ أُخرى، فغيَّر في طبيعة الأشياء عن طريق تطبيقات العلوم في الهندسة الوراثيّة. وتحقيقاً لزيادة الإنتاج تعامل مع كلّ شيء بكلّ الطُرُق، فتأثّر سلباً هو وكلّ من الحيوان والنّبات والمناخ، والبيئة بشكل عام.
بعض الإنجازات البشريّة:
في الطبّ: نحن نعلم أنّ الفيروسات والميكروبات والبكتيريا والجراثيم والطفيليّات والكائنات الأُخرى، تعمل دائماً على تطوير نفسها لتتمكّن من ممارسة حياتها ونشاطها بطُرقها المختلفة، فاستفاد الإنسان عن طريق صناعة الدّواء والعقاقير والأمصال واللّقاحات، وطُرُق العلاج المتطوّرة ووسائل التّشخيص الحديثة من النّافع منها وتفادى ضرر الضّار منها. ولكن لسبب شرّ الإنسان وطموحه غير المحدود ورغبته في الغنى وتكوين الثّروات، قام بعمليّات فاسدة نظير استخدام أدوية وأمصال ولقاحات مُنتهية الصّلاحيّة أو غشّ المادّة الفعّالة، الأمر الذي ساعد تلك الكائنات الدّقيقة جدًاً والمتناهية في الصِّغَر أن تتحوَّر وتطوِّر نفسها بطرق ووسائل ليس للإنسان باع في التّعامل معها أو القضاء عليها.
في المجال العسكري: أيضاً وأيضاً بسبب شرّ الإنسان وفساده، تقدّمت وتطوّرت جدّاً أسلحة الدّمار الشّامل التي اخترعها وكلّفت مليارات الدّولارات، ممّا تسبّب في تعطيل أو تقليص برامج التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة لأجل خير الإنسان وراحته وسعادته، مثل الإنفاق على التّعليم والصّحة وتحسين المستوى المعيشي والثّقافي، الأمر الذي أثَّر سلباً على عادات وطُرُق التّغذية والنّظافة العامّة وغيرها. ولا يخفى على القارئ أنّ أسلحة الدّمار ليست هي فقط الأسلحة النّوويّة والهيدروجينيّة والذّريّة، بل توجد الأسلحة البيولوجيّة والبكتيريولوجيّة والكيمياويّة وغيرها. هذا كلّه خلّف ڤيروسات شديدة الفَتك بالإنسان والحيوان والنّبات، فظهرت أمراض غريبة مثل جنون البقر وأنفلونزا الطّيور وأنفلونزا الخنازير وغيرها، ولم يتمكّن الإنسان بعد من السّيطرة عليها أو إيقافها. أضِف إلى ذلك الإشعاعات النّوويّة والغبار الذّري الذي تُخلِّفه التّجارب النّوويّة ودفن النّفايات في مناطق من البحر واليابسة، ممّا يتسبّب بأشدّ الضّرر للبشر والحيوانات والأسماك والطّيور التي تُعتبر مصدراً أساسيّاً لغذاء الإنسان والحيوان.
في المجال التّقني: ولرغبة الإنسان في التّقدُّم السّريع والتّمتُّع بأدوات وأجهزة تجلب له الرّاحة والرّفاهية، مثل الكومبيوتر والتّلفزيون والتّليفون المحمول وأجهزة التّبريد والتّكييف، لم يعمل حساباً لكافّة نتائج وتأثيرات الاستخدام المستمرّ لها، مثل الموجات الكهرومغناطيسيّة وانبعاث الغاز الوسيط في أجهزة التّكييف وغيرها، على صحّة ومناعة الإنسان وعلى تلوّث البيئة وتأثُّر درجات الحرارة وذوبان الجليد في القطبين الشّمالي والجنوبي، وارتفاع مستوى سطح البحر ومجاري المياه الطّبيعيّة (مثل الأنهار) ومنسوب المياه الجوفيّة في مناطق والتّصحُّر في مناطق أُخرى من العالم، بالإضافة لتغيُّر طبيعة التُّربة وتقلُّص مساحات الأراضي الزّراعيّة.
تناوُل الإعلام لموضوع الأمراض والأوبئة: لقد أثَّر التّناول الإعلامي لهذا الموضوع سواء بالوسائل المقروءة أو بالإذاعة أو التّلفزيون، تأثيراً خطيراً أدّى إلى حالة من الهلع والاضطراب والفوضى في القرارات والتّصريحات، والتّخبُّط الحكومي المحلّي والعالمي. ولعلّ أبرز مظاهر ذلك هو قرار التّخلُّص من قطعان الخنازير في بعض البلاد، دون دراسة موضوعيّة متأنِّية تحسب كافة الآثار المترتِّبة على هذا القرار. ثمّ ظهور الرّأي العلمي الذي قرَّر أنّه لا علاقة للخنازير بڤيروس H1N1. كما أدَّت حالة الشّحن والاحتقان الإعلامي إلى التّخبُّط في قرارات هيئات دوليّة محترمة، مثل منظّمة الصّحّة العالميّة التّابعة للأمم المتّحدة، فقد عَرَضت إحدى قنوات التّلفزيون برنامجاً مهمّاً استضاف أحد أساتذة الجامعة المتخصّصين في نيويورك بأمريكا، وبدا من الحوار ملامح الحيرة والتّخبُّط في هذا الموضوع فيما يتّصل بالڤيروس وطُرُق التّعامل معه، وتجارة الأمصال واللقاحات الخاصة بمحاصرته.
وهكذا فنحن أمام فوضى عارمة ومشاكل لا حصر لها سببها الإنسان وليس الله.
ولكن لا يزال السّؤال مطروحاً: هل الأمراض والأوبئة تُعَدّ غضباً ولعنة من الله؟
ولكي أجيب على هذا السّؤال أسهبتُ فيما أوردته سابقاً، وفيما أنا أُجيب يتولّد سؤال آخَر: هل يستخدم الله طُرُقاً مؤلمة ومؤثِّرة على البشر في دينونة أو عقاب ليُظهر بِرّه وصلاحه وعدالته؟
الإجابة: نعم!. لقد استخدم الله المُحبّ العادل والرّحيم البارّ، الصّالح القدّوس، الطّوفان قديماً ضد عالم الإثم في أيّام نوح، كما هو مذكور في سِفر التّكوين الأصحاحَين 6 و8. واستخدم النّار والكبريت في عقاب مدينتَي سدوم وعمورة بينما أنقذ لوطاً البارّ، سِفر التّكوين الأصحاح 19. وفي أرض مصر ضربات متعدِّدة ومتنوِّعة مؤلمة وضارّة ليحقِّق إرادته في إنقاذ شعبه من العبوديّة، سِفر الخروج الأصحاحات 7 – 12. وضرب الرّبّ فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي وأبرام، سفر التكوين 12: 17 . والشيء نفسه حدث مع أبيمالك ملك جرار، سفر التكوين 20: 17 - 18 . ويُعزِي البعض بعض المخاطر والكوارث للشّيطان بعد سماح الرّب له، مثلما حدث مع أيّوب وأُسرته لمجد الله ولخير أيّوب (سِفر أيّوب).
ختاماً أريد أن أقول: إنّ الله صالح ومُحِبّ وهو أيضاً عادل وقدّوس، يُحبّ الإنسان لكنه يمقت الشّر والخطيّة. فبالرّغم من نتائج فساد الإنسان وشرّه كما أسلفنا، إلّا أنّ الله – جلَّ شأنُه وعَلَت قدرته – هو ضابط الكُلّ وسيّد الموقف، وهو يريد من مُطلَق سلطانه ومحبّته وحكمته أن يوصل للإنسان رسالة لخيره، كما كتب نبي الله إرميا في سفر إرميا 10: 18 .
وإنّه أمر حقيقي وكتابي أن يلوم بَني البشر الله على أخطائهم وفسادهم، وينسِبوا سرّ معاناتهم لله. هذا ما يتوضّح لنا في سفر الأمثال 19: 3 . لكن كما قال دانيال النّبي في سفر دانيال 4: 17 . وهكذا يبقى الفكر الإلهي دائماً على حقّ كما في رسالة رومية 8: 28 .
إذا كان لديك اى سؤال او استفسار يمكنك التواصل معنا (من هنا)