والآن أصبحت الثّورة حقيقة واقعة،
بدأ النّاس يعلنون عن رفضهم لأشياء كثيرة، لقد بدأت الثّورة فمن يقف أمامها؟!!. هناك وسيلة تنجح كثيراً، وهي التّشكيك في دوافع الثّورة نفسها، والتّشكيك في الهدف منها، فيبدأ النّاس العاديّون يُبغضون الثّائرين، وبعد أن يكتسب الثّائرون بعض التّعاطف، سرعان ما يفقدونه بسبب ذلك الشّك في الدّوافع. وفي ثورتنا المصريّة حدث هذا الشّيء، فبعد أيّام قليلة من الثّورة وبالذّات بعد أن بدأ رئيس جمهوريّتنا السّابق، بالتّلاعب على العواطف من خلال خطاب بليغ يريد فيه أن يموت في مصر مذكِّراً إيّانا بالرّئيس التّونسي الذي ترك بلاده وهرب لحياته، بعدها بدأ المصريّون يُغيِّرون نغمة الكلام، ولكنّ الثّائرين رفضوا ترك مقرّهم، فبدأت الشّائعات تُسخِّف الثّورة،
فَقِيلَ عن هؤلاء الذين وقفوا في ميدان التّحرير هذه الأشياء:
1- يوجد من يدفع لهم!!.
2- وجبة كنتاكي لكلّ شخص. ولست أدري لماذا الكنتاكي بالذّات، هل هو دعاية لهذه الوجبة، ولكن هذا ما قِيل.
3- يوجد أجانب في المكان. فالأمر ليس ثورة داخليّة محليّة، ولكن هناك أصابع خفيّة تريد أن تلعب بأمن المواطن المصري.
4- شباب وبنات غير منضبطين أخلاقيّاً.
5- الإعلام العربي هو من صنع تلك الثّورة.
كلّ هذه الأشياء كتبها الإعلام المصري المُنقاد بأعداء الثّورة، لتُشكّك في دوافع الثّورة النّقية ودوافع أفرادها، حتّى تفقد مصداقيّتها. وفي الواقع انخدع كثيرون بهذا الأمر، وبدأ الكثيرون يتخاذلون أمام مطالب الثّورة بسبب تلك الشّائعات.
وفي هذا الأمر علّمتني الثّورة الكثير. أُلخِّصه في سطور قليلة:
- لكي تحصل على كلّ ما تريد لا بدّ من سياسة النَّفَس الطويل.
- لا تبالي بآراء الآخرين وركّز نظرك على مطالبك – طالما أنّها مشروعة - ولا تتنازل عن أيّ منها.
- لا تدع مبدأ الاكتفاء بمنتصف الطّريق يجعلك تتخاذل.
كنتُ قد كتبت مقالاً منذ أكثر من عام يحتوي على قصّة مشهورة هي قصّة الضّفدع الذي يعاني من الصّمَم الجزئي، ويقع في حفرة عميقة، فيحاول الخروج من الحفرة، وسط كلمات الإحباط من زملائه الضّفادع، ولكَونه مصاباً بالصّمَم الجزئي كان يظنّ الصّرخات التي تُفشله هي صرخات مؤازَرة وتشجيع، ممّا حفّزَه على بلوغ هدفه.
وهذا هو المطلوب وأنت تثور على شيء ما، سواء بداخلك أو من المتغيّرات المحيطة بك، لا تلتفت لآراء النّاس المُحبِطة، أو التي تستنكر نُبلَ قضيّتك، أو محاولة تلفيق أهداف أخرى أنت لا تقصدها مطلقاً، بل ركّز هدفك على ما تريد بدقّة، ولا تتنازل عنه مطلقاً، لا تدع آراء النّاس تُحبط من عزيمتك، مهما كانت تلك الآراء سلبيّة في حقّك. هذا مهم لكي تنجح في ثورتك.
تذكَّر تلك العداوة بين أولاد الله وبين أبناء العالم، لذلك دائماً يترجم أولاد العالم ما يفعله أولاد الله ترجمة غير حقيقيّة، ولكنّنا لا نسلك طمعاً في إرضاء أحد، لأنّ القضيّة دائماً هي الله، والله أعطانا قواعد للحياة، لا بدّ أن نسير وِفقها، وإذا كنّا لا نسير فيها، ينبغي علينا أن نثور على أنفسنا لنطيع الله في هذا الموضوع، مهما كانت انطباعات النّاس، لكن علينا أن نثور على أنفسنا ونحقِّق مقاصد الله في حياتنا. الأمر أصعب من ثورة 25 يناير، لأنّ المبادىء الإلهيّة أقوى وأصعب. وأيضاً المُفشِّلون أقوى وأشدّ ضراوةً من هؤلاء الذين حاولوا تعطيل الثّورة، وبالمقابل الله وعد بروح الحقّ المُعزّي الذي يؤازرنا ويعطينا القوة والقدرة لكي نسير وفق مشيئة الله،
فهل نستغلّ هذا العامل المساعد؟
حينئذٍ، بالتّأكيد ثورتنا ستنجح.