لنرجع إلى أعداء التّغيير الذين يريدون منع هذا الاعتصام بشتّى الطُّرُق،
والفكرة القديمة الجديدة هي صرف الذّهن عن تلك الأخطاء التي تحتاج إلى تغيير، وذلك بوضع مشكلة شخصيّة في شكلها أكبر بكثير من الموضوع المطلوب تغييره، فيحدث إلهاء عن الموضوع الأصلي ويكثر النّقاش حول الموضوع الآخر.
بعدها تبدأ التّصريحات الخاصّة بالموضوع الآخر تملأ الصّحف، ويتمّ نسيان الموضوع الأصلي.
لنشرح الفكرة عمليّاً
في مصر كان هناك الكثير من الفاسدين ومن الفساد الواضح الذي لابدّ من تغييره، بدءاً من هيئة المرور وحجز تذاكر القطار إلى غيرها من الخدمات التي ترعاها الحكومة. ولكن لكي يبتعد ذهن الشّعب عن هذا نبدأ في تفجير مشاكل بين المسلمين والمسيحيّين، وإلهائهم في فكرة من هو الكافر ومن هو الملحد، ومن هو الذي يرضى الله عنه.
إذا أراد محامي مسيحي أن يرشّح نفسه للانتخابات، يختلقون قضية في دائرته يُهيِّجون فيها المسيحيّين والمسلمين فتحدث كارثة، تأتي المشاكل الطائفيّة على قمّة هذه المشاكل التي يستخدمها أعداء التّغيير لإلهاء الشّعب عن التّغيير، لتنتهي أخيراً بحادثة كنيسة القدّيسين الشّهيرة.
أيضاً سمعنا عن مشاكل السّيّدات التي انتشرت إشاعات أنهنّ أشهرنَ إسلامهنّ، وفي الواقع هنّ لم يفعلنَ أو فعلنَ، وما أهميّة أن تنشغل الأخبار والصّحف وكلّ طبقات الشّعب بِ: هل أشهرتْ إسلامها أم لا؟، وهذا أدّى إلى مشاكل داخل الكنائس، وعداء على مآذن الجوامع، وابتعد النّاس عن المشاكل الحقيقيّة، ابتعدوا عن السّعي وراء الفساد الحقيقي الذي يتغلغل داخل المجتمع. هذا ما يحدث قبل الثّورة.
وعلى المستوي الشّخصي يحدث الشّيء نفسه، فقبل أن تبدأ لتثور على نفسك وتسعى وراء التّغيير يشغلك الشّيطان بالكثير والكثير من الأفكار الصّعبة.
لنأخذ مثلاً في هذا الأمر، المرأة السّامريّة التي التقت بالسّيّد المسيح، تقابلت معه وهو كان يهدف لعلاج الفساد الذي داخلها، وهي حاولت أن تهرب من ذلك الإصلاح، لقد كانت ممتلئة من الأخطاء والخطايا، وحاورها المسيح، لنقرأ هذا الحوار ولنتعلّم.
- قال لَهَا يَسُوعُ:«اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى ههُنَا».
أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالتْ:
- «لَيْسَ لِي زَوْجٌ».
قَالَ لَهَا يَسُوعُ:
- «حَسَنًا قُلْتِ: لَيْسَ لِي زَوْجٌ، لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَالَّذِي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ».
قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ:
- «يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ».
فكّر معي في الذي حدث، هل ترى أسلوب الحوار؟ المسيح يضع يده على الدّاء، ولكن السّيّدة هربت من هذه المشكلة، بأنّها اختلقت مشكلة لاهوتيّة، أيّهما أصحّ؟ هل نعبد في أورشليم أم على جبل جرزيم؟!! ... هل هذه هي المشكلة؟ وهل أنتِ أيّتها السّامريّة تعبدين بالفعل؟ هل هذه المشكلة تؤرّقك؟ أم أنّه من الأفضل معالجة الخطأ الدّاخلي الكامن فيكِ، ثمّ بعد ذلك ندخل على المرحلة الأخرى. لا بدّ أن نتصالح مع الله، ثمّ نبدأ في البحث عن طُرُق العبادة الصّحيحة. أ ليس هذا هو المنطقي؟
صديقي:
هل تودّ أن تنجح ثورتك الدّاخليّة، ركّز على الفساد الحقيقي داخل النّفس، وثِق أنّ الله يستطيع أن يغيّرك بالكامل، فإنْ حدث هذا سوف تُعلن أمام الجمع عن التّطهير الذي حدث بداخلك، لن تبالِ بالمشاكل الجانبيّة.
في ثورتنا المصريّة عندما التفتوا إلى الفساد والمشكلة الحقيقيّة، لم تعُد المشكلة هي مشكلة مسلم ومسيحي، لقد أصبح الكلام عن المواطن المصري ومعالجة المواطن المصري، وتدمير الفساد الذي يؤذي المواطن المصري، وهي خطوة حقيقيّة نحو الإصلاح.
صلاة:
إلهي .. أضع نفسي الآن بين يديك
معترفاً بأخطائي وخطاياي
لن أدع أي شيء يُلهيني عن حقيقة كوني فاسداً
وأحتاج إلى أن تأتي وتصلح ما بي من فساد
أنت تريد أن تعالج ما بي من فساد
وها أنا أستودع نفسي بين يديك
استلم قلبي وحياتي
وصالحني معك ومع نفسي
فأكون لك بالكامل فتُغيّر
وتُصلِح ما قد فسد
يا ربّ