ما هو ذاك الشّعور الذي يبحث ويسعى وراءه الكثيرون؟ ما هو ذاك الذي يبيع النّاس كلّ شيء حتّى أنفسهم كي يمتلكوه ويختبروه؟
ما هو ذلك الذي ما أن أحاول التّفكير به وإيجاد تعريف له حتّى أشعر بأنّي تائه محتار يتملّكني الضّياع، فأفقد القدرة على التّمييز والإدراك؟
لماذا؟ لأنّ كلّ ما حولي من تعريفات وتشبيهات، من صور وجمل وأغاني قد شُوِّه معناه، فتُهت ووجدت نفسي في دائرة مقفولة لا أستطيع الفرار منها، أركض فيها كالمهرّج لا أعرف مدخلها ولا أَعي مخرجها.
من أنت أيّها الحبّ؟
هل أنت مجرّد إعجاب؟ أجد نفسي من خلالك عصفوراً يتنقّل من غصن إلى غصن ليجد المزيد من الطّعام، ويسعى من حبيب إلى حبيب ليجد المزيد من الحبّ؟
أم أنت ذاك الذي يأتي مع العِشرة فيصبح اسمه التّأقلم، ومن ثمّ يطلقون عليه لقب الحبّ محاولين التّنصّل من مواجهة الحقيقة؟
قل لي، أخبرني من أنت؟
أجابني الحبّ:
أنا قطعة أثريّة نادرة في عالم مليء بالتّملُّق والنِّفاق. قطعة ملامحها بسيطة لكنّها ذات مغزى عميق محفور داخل الكيان لا يمحوها زمن أو إنسان، لا بل يزيد من قيمتها لأنّه يزيد من ندرتها.
أنا شرارة تنبعث من اثنين ينظران إلى بعضهما البعض ليرى كلّ واحد نفسه في عينيّ الآخر، سهام شرارتي نافذة غارزة لعمق الأعماق.
قد يُخيّل لك بأنّ هناك من يشبهني! لكنّك تعلم في حقيقة أعماقك بأنّي لا أتكرّر، لأنّي أحرّك الواحد نحو الآخر ليكتشفه ويعرفه ويقرّر اختياره حتّى وإن كان هناك ما لا يعجبه فيه، وذلك لأنّي أقوى من الشّوائب وفوق العيوب.
أنا لست مشاعر هوى تعلو وتنخفض مع دورة الحياة المزاجيّة، أنا مشاعر ثابتة كالصّخر لا تغيّرها الفصول ولا حدّة الألم والفرح، ولا أي أمر أو حدث آخر.
أنا لست قراراً منبثقاً من عقلٍ لا يعرف طريقاً لقلبه، أنا قرار نابع من بئر المشاعر الكامن.
أنا قرار التّخلّي عن الذّات والاستمرار في الحياة لأجل من تحب، أنا قرار التّضحية والعطاء، أنا قرار التّغيير والانفتاح، المكاشفة والشّفافيّة، أنا الذّات العارية التي لا تخجل من عريها، لأنّه يزيد من قوّتها الماكثة في ذاتها.
أنا المجاهد، المحارب والمصارع ليحافظ على بقائه، قد أُصدم وأُكسر، لكنّي لا أُهزم، ومن الصّعب، لا بل لا يمكنك جعلي أنهار وأنسحب، لي عيون، ليست كعيونكم أيّها البشر، فما يغريكم لا يغريني، وما ترونه قبيحاً لا يثنيني.
أنا أصيل قوي، بصماتي لا تُمحى، حتّى وإن أراد القلب اقتلاعي من جذوري أترك في داخله ندبةً لا يمحوها الزّمان، قد يلتئم جرحي، لكن ندبتي تبقى، ذكرى مرآتها تعكس وجودي وتذكّره بأنّي لا أزال.
صوتي صارخ يشقّ جدار الصّمت، فيُخرج النّور من معتقل الظّلام ويعيد الحياة لعظام تعفّنت في حجرة النّهاية، يعيد الرّجاء لقلب يائس في غرفة الانتظار ليتجرّأ ويخطو خطوته الأولى نحو الحياة.
أنا من يجعلك تفتش الأماكن بحثاً عن حبيبك، ويترك لك الحياة لتبدو باهتة من دونه، أنا من يجعله مميّزاً في عينيك، لا ترى أحد مثله، لا يمكنك إلّا أن تراه، عيناه تصرخان كي تراه وعيناك تصرخان كي تجده.
نعم يا صديقي المحتار، أنا هو الحبّ وأنا مدرك عمق حيرتك، فقد شوّهوا اسمي وجعلوني سلعةً مستهلكةً، حفروا اسمي على الأشياء مع أنّي لا أرتبط بها، وصاروا يبدّلوني كقطعة ملابس يتلفونها عندما تتهرّأ ويستبدلونها ما أن يضجرون منها.
قد يرى البعض بأنّه من الممكن نسياني بعد وقت قصير، لكنّي في حقيقتي وفي كينونتي صعب، لا بل ومستحيل نسياني واستبدالي، لأنّي ثابت راسخ لا أتغيّر، الزّمن يحافظ عليّ ويزيدني إشراقاً ولمعاناً وقوّة.
قد تتّهمني بأنّي محض خيال ذو لغة أفلاطونيّة، إلّا أنّي لست كذلك، هل تعرف السّبب؟
لأنّي مصنوع من نسيج الخالق نفسه أتحدّث بلغته، بكلمات فمه، هو من أبدعني أنا وُجدت مذ وجد، ومن دونه لم يكن لي وجود.
اسمه أُطلق عليّ، قوّته وُضعت فيّ، مِن غيره لن أقوى يوماً على فعل ما أفعله، فهو المحبّة وأنا منه ولن تعرفني يوماً من دونه.
إذا كنت تريد ان تتعرف على محبة الله لك. اقرأ وحمل الانجيل مجانا الآن (من هنا)