إن أول طفل وُلد على هذه الأرض لآدم وحواء سُمّي قايين (الذي يسميه البعض ب"قابيل"). وبعد زمن قليل وُلد طفل آخر سمّياه هابيل.
وعندما كبر الأخوان أظهر كل منهما ميلاً إلى عمل يختلف عن الآخر: فكان لهابيل ميل لرعاية الغنم، وكان يقودها إلى مراع خصبة ومياه صافية، ويقيها شرّ الوحوش الضاربة. أما قايين فكان يميل إلى حراثة الأرض وزرعها ومراقبة نمو الفاكهة والخضر.
كان كلاهما يتعاطيان أعمالا مختلفة، وكلاهما يقول إنه يؤمن بالإله الحقيقي الواحد. وبعد مدة قدّما لله قرابين، ولكنهما اختارا قربانَيْن مختلفين: ذهب قايين إلى الحقل، وجمع بعض ثمار الأرض وقدّمها قرباناً لله. كان قربان قايين يمثل منتوجات تعبه وعمل يديه. فإنه قد حرث الأرض، وزرعها، وقطف الفاكهة عند نضوجها. عندما قدّم قرباناً لله كان فخوراً وكأن لسان حاله يقول: "اللهمَّ انظر، هذا ما عملتْ يداي، اقبلني واقبل ثمار جهودي".
أما قربان هابيل فكان يختلف بالكلية عن قربان أخيه قايين. فإنه أخذ من أبكار غنمه وسمانها وقدّمها قربانا للإله الحقيقي. يقول الكتاب المقدس : "فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قايين من أن الله ارتضى بذبيحة أخيه ولم يرتض بقربانه هو."
في ذات يوم، وهما في الحقل، قام قايين على أخيه هابيل وقتله. وكانت أول جريمة عرفها التاريخ.
استاء الرب جدا من قايين بسبب الخطية الشنعاء التي ارتكبها، وظل قايين طيلة حياته مطرودا من أمام وجه الله. بل الأرض ذاتها التي كان يحرثها ويزرعها لم تعد تعطيه ملء غلاتها. حقا إن الخطية تسبّب الانفصال عن الله القدوس.
كان قايين وهابيل يؤمنان بإله واحد، وكلاهما كان يقول إنه يؤمن بالإله الحقيقي، ولكن واحدا منهما، دون الآخر، كان مرضيا في عيني الله. ويوضح الكتاب المقدّس قائلاً: "بالإيمان قدّم هابيل لله ذبيحة أفضل من ذبيحة قايين." كانت ذبيحة هابيل تعبر عن إيمانه الخالص بالله. إذ لا يكفي الإيمان العقلي بإله واحد، ولا يكفي أيضاً حتى أن نرغب رغبة صادقة في أن نعبد الإله الواحد ونقدم له عمل أيدينا، أي أعمالنا الصالحة. وإنما الأهم هو موقف قلبنا وحالته. يجب علينا أن نحذو حذو هابيل، أي أن نتقرب إلى الله بقلب متواضع عامر بالثقة، تائبين توبة نصوحاً، معترفين بخطايانا، متكلين على الوسيلة التي يقدمها لنا الله للحصول على غفرانه تعالى.
فكانت تقدمة هابيل تقوم على ذبح حمل وسفك دمه. هذه الذبيحة كانت الأولى من سلسلة الذبائح التي فرضها الله حتى مجيء من يسمّيه الكتاب المقدّس "حمل الله" الذي كان ينبغي أن يُذبح مرة واحدة لا غير من أجل غفران خطايانا.
ما هي هذه الذبيحة التي تكفّر عن خطايا العالم كلها، بل من هو هذا الذبيح الذي يقبله الله ويرتضيه؟ ما هو السبيل لكي نجد حظوة عند الله؟ تابع هذه السلسلة من الدروس فتجد الجواب عن هذين السؤالين.