عبرانيّين 12: 14 "اتّبعوا السّلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرّبّ"

1 بطرس 1: 15 و16  "بل نظيرَ القدّوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قدّيسين في كلّ سيرة. لأنّه مكتوب كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس".

القداسة الكاملة ليست فقط واجباًعلى كل مسافر بل ينبغي أن تكون موضوع مشغوليّة قلب كلّ مسافر. الدّعوة إلى القداسة ـ طِبقاً للكتاب المقدّس ـ ليست "محاولة" لتكون قدّيساً لكنّها عملاً أو سلوكاً "لتكون" قدّيساً. القداسة هي العلامة المُسَجَّلة لحياة النّضوج. إنّها ليست ما يَنتج عن الأمانة بل هي ما يحفظ الأمانة. إنّها معونة للحفاظ على مسار الرّحلة وليست نتيجة الحفاظ عليه. القداسة ليست "عدم فعل الخطيّة" بل هي فضائل مُجمَّعة تضمن سلامة رحلة الإيمان حتّى النّهاية.

كيف "نكون" قدّيسين في عالم شرّير مليء بالإغراءات؟ هل هذه المعونة "حلم لذيذ بعيد المنال" أَم يمكن الحصول عليها خلال رحلة الإيمان؟ لكي نفهم المعنى الكتابي للقداسة فهماً صحيحاً لا بدّ أن نعرف التّعريف الكتابي الدّقيق لها، فهي كلمة كثيراً ما تستخدم باستخفاف في الدّاوئر المسيحيّة. أحياناً تُتَرجَم كلمات مثل "مقدَّس" أو "مكرَّس" على أنّها "بارّ" أو "طاهر" وهذا قد يؤدّي بنا إلى الإصابة باليأس أوإلى أهداف غير مُحَقَّقة. ورغم ذلك فإنّ نداء الكتاب المقدّس إلى القداسة يُعَدُّ دعوةً وليس أمراً. الكلمة العبريّة المُقابِلة لكلمة "مقدَّس" هي Qodesh وتكررت 468 مرّة في العهد القديم وتعني "مُكَرَّس أو مُخَصَّص". والكلمة اليونانيّة المُقابِلة لكلمة "مُقدَّس" Hagios وتكرّرت 229 مرّة في العهد الجديد وتعني أيضاً "مُكَرَّس أو منفصل" حاملة معنى "بلا خطيّة".

إنّنا مدعوّون كمسافرين لأنْ ننفصل كي نحقّق أهداف الملكوت. فنحن نسافر كتلاميذ أنكروا ذواتهم، لكن تعتريهم رغبة قلبيّة لعَيش حياة تمجِّد الله. القداسة ليست أعمالاً بل حياةً. القداسة هي أصدق أشكال التّلمذة وبالتّالي تتطلّب أن "ننفصل". ننفصل عن ماذا؟ ننفصل عن العالم. قيل لنا إنّنا "في العالم" (يوحنّا 17: 11) لكن "لسنا من العالم" (يوحنّا 17: 16). لقد خُلِقنا لشيء أعظم من هذه الأرض، وفُصِلنا لأفراح السّماء، للاتّحاد الكامل مع الله!.

كيف نعيش حياة منفصلة عن العالم؟ يقدّم "بروس هيرت" خطّة من عشر نقاط عن القداسة (www.preceptaustin.org) لا بدّ من تطبيقها كوحدة واحدة لا كإثني عشر نقطة منفصلة. تبدأ هذه الخطوات العشرة بتنمية عادة الاتّفاق مع فكر الله الذي نجده مُصَوَّراً على صفحات الوحي الإلهي. ثمّ علينا الابتعاد عن أي خطيّة معروفة وتنفيذ أي وصيّة معروفة. ثالثاً نسعى لنكون شبه ربّنا يسوع المسيح ونضيف فضائل تتماشى مع شخصه. وبالتّالي نتحلّى بالوداعة وطول الأناة واللّطف والصّبر والشّفَقة وضبط اللّسان. الخطوة التّالية هي أن نتّسم بالتّعفّف ونكران الذّات والمحبّة الأخويّة بالإضافة إلى الرّحمة والإحسان إلى الآخرين. وينبغي أيضاً أن ننفصل عن العالم بنقاوة قلب وخوف الرّبّ ممّا يؤدّي إلى تواضع وأمانة في كلّ الواجبات والعلاقات في حياتنا. أخيراً وليس آخِراً، الانفصال يقود إلى عقليّة روحيّة.

يجب أن ينفصل المسافر عن العالم في طموحاته وأهدافه ورغباته، فكلّ تركيزه أصبح الآن على ملكوت الله وحياة تعكس مجده. المعونة هي القداسة.

همست البنت الصّغيرة من خلال شفتيها المتورّمَتَين قائلة: "فستاني، من فضلكم أعطوني فستاني. أريد أن أحمله". كان كلّ المؤمنين المحيطين بفراش البنت في غاية الحزن. لم يكن بإمكان الأطبّاء عمل أي شيء لها بسبب جراحها الدّاخليّة الخطيرة.

كان المؤمنون قد اشتروا لها، قبل عدّة أسابيع، فستاناً أبيض للاحتفال بحياتها الجديدة وقلبها النّقي في المسيح. لم يكن الأب سعيداً بقرار ابنته بتسليم قلبها للمسيح. وذات ليلة ضربها ضرباً مبرِّحاً في نوبة من نوبات سُكره وتركها في الشّارع لتموت.

ذهب أصدقاؤها للبحث عنها حين لم تأتِ للكنيسة ووجدوها مغشيّاً عليها في الشّارع وثوبها الأبيض الجميل مغطّى بالدّم والطّين. حملوها للطّبيب لكن جراحاتها كانت تبدو سيّئة للغاية.

والآن تسأل عن فستانها، فأخبرها أصدقاؤها بأنّ فستانها قد تَلِف وحاولوا أن يشغلوها عنه لأنّهم ظنّوا أنّ رؤيتها للفستان التّالف سوفتكسر قلبها.

بإيمان بسيط لبنت في العاشرة من عمرها قالت هامسة: "من فضلكم، أريد أن أُري الفستان للرّب يسوع. هو كانمستعدّاً طواعية أن يسكب دمه لأجلي. أريده أن يعرف أنّني على استعداد أيضاً لأن أسكب دمي لأجله". ثمّ لفظت أنفاسها الأخيرة بعدها بلحظات.

من المستحيل أن نعرف قداسة الله ونخضع لسلطانه في أي مكان غير قدس الأقداس. قيل: "لا أحد ينتظر أن ينمو في القداسة إن لم يقضِ وقتاً طويلاً ومنفرداً مع الله" آندرو موراي

ربّي الحبيب، لتكُن أفكاري مقدّسة. اِعْمَل فيّ يا ربّ حتّى يكون عملي هو أيضاً مُقدَّساً. اِحْفظ قلبي حتّى لا أُحبّ إلاّ ما يُمجِّدك وقوّيني لأدافع عن كلّ هذا بكلّ ما فيّ.